التأثير العربي في المغرب لا يمكن إنكاره ويمتد لقرون من الزمن، ويشكل جزءاً لا يتجزأ من ثقافة البلد وهويته. يعود هذا التأثير إلى القرن السابع الميلادي، عندما أدخل العرب الإسلام واللغة العربية إلى المغرب. ومنذ ذلك الحين، اندمجت الجوانب العربية والإسلامية مع التقاليد المحلية لخلق ثقافة فريدة من نوعها.
واللغة العربية هي أحد أبرز مظاهر هذا التأثير. فهي ليست لغة الإسلام الدينية فحسب، بل هي اللغة الرسمية للمغرب، وتستخدم في الإدارة والتعليم والإعلام. اللغة العربية المغربية، أو الدارجة، هي اللغة الشائعة الاستخدام، وعلى الرغم من اختلافها عن اللغة العربية الفصحى، إلا أنها تحتفظ بالعديد من عناصرها. تُستخدم الدارجة في التعاملات اليومية والموسيقى الشعبية والثقافة الجماهيرية، بينما تظل اللغة العربية الفصحى لغة الأدب والخطب الرسمية والنصوص الدينية.
يلعب الأدب العربي أيضاً دوراً هاماً في الثقافة المغربية. وقد ساهم شعراء وأدباء مثل ابن بطوطة، المستكشف والكاتب الشهير من طنجة، في ثراء الأدب العربي. كما أن أدب الرحلات والشعر الصوفي والقصص الشعبية من الأنواع الأدبية التي ازدهرت في المغرب متأثرة بالتقاليد الأدبية العربية. ويستمر الأدب العربي المغربي في التطور، ليعكس الاهتمامات المعاصرة مع الحفاظ على جذوره في تقاليده.
العمارة العربية منتشرة في كل مكان في المدن المغربية، حيث تمتزج التأثيرات العربية والإسلامية بانسجام. تُعد المدن العتيقة أو المدن القديمة أمثلة حية على العمارة العربية، بشوارعها الضيقة وأسواقها الصاخبة ومنازلها التقليدية ذات الساحات. مدن مثل فاس ومراكش والرباط هي موطن القصور المهيبة والمساجد التاريخية والحدائق الأندلسية، وكلها تشهد على التراث المعماري العربي.
المطبخ المغربي هو مظهر آخر من مظاهر التأثير العربي. فالأطباق المغربية، مثل الكسكس والطاجين والمشوي هي مزيج من النكهات والتوابل التي تعكس التراث العربي. وتُعد التوابل مثل الكمون والزعفران والكزبرة، بالإضافة إلى استخدام الفواكه المجففة والمكسرات من السمات المميزة للمطبخ العربي. وغالباً ما تكون الوجبات المغربية مصحوبة بالشاي بالنعناع، وهو مشروب تقليدي يرمز إلى كرم الضيافة المغربية.
كما أن الفنون التقليدية المغربية، مثل الموسيقى والرقص والحرف اليدوية، غارقة في التأثير العربي. فالموسيقى الشعبية والأندلسية تتضمن الآلات والإيقاعات والألحان العربية التقليدية التي نشأت في شبه الجزيرة العربية. أما الحرف اليدوية المغربية، مثل الفخار والسجاد والمجوهرات، فتتضمن زخارف هندسية ونباتية عربية تقليدية، تعكس الجماليات الإسلامية.
لا يقتصر التأثير العربي في المغرب على اللغة والثقافة، بل يمتد أيضاً إلى القيم الاجتماعية وأنماط الحياة. فبنية الأسرة واحترام كبار السن وكرم الضيافة هي قيم مشتركة بين العرب والمغاربة. وتنتقل هذه القيم من جيل إلى جيل، مما يعزز الروابط الثقافية والاجتماعية.