شكّل استقلال المغرب، الذي أُعلن في عام 1956، نقطة تحول تاريخي كبير للبلاد، حيث وضع حداً لأكثر من أربعين عاماً من الحماية الفرنسية والإسبانية. وقد مهد هذا الحدث الطريق لإعادة بناء الدولة المغربية الحديثة وإعادة تأكيد الهوية الوطنية. يستعيد هذا المقال المراحل الرئيسية لهذه الفترة الحاسمة والتحديات والنجاحات التي أعقبت ذلك.
كان طريق المغرب نحو الاستقلال طويلاً ومليئاً بالعثرات. فمنذ بداية الحماية عام 1912، تشكلت حركات المقاومة لتحدي الحكم الاستعماري. وفي ثلاثينيات القرن العشرين، بدأت القومية المغربية تكتسب زخماً مع إنشاء أحزاب سياسية مثل حزب الاستقلال الذي دعا إلى الاستقلال والسيادة الوطنية. كما لعبت الحرب العالمية الثانية دوراً حاسماً في إضعاف القوى الاستعمارية وتعزيز تطلعات الشعوب المستعمرة.
كانت إحدى الخطوات الحاسمة نحو الاستقلال بيان الاستقلال الذي نشر في 11 يناير 1944، والذي دعا إلى الاستقلال التام للمغرب وإنهاء الحماية. حفز هذا البيان الحركة الوطنية وعبأ قطاعات كبيرة من السكان المغاربة، في المناطق الحضرية والريفية على حد سواء. غير أن فرنسا رفضت هذه المطالب في البداية، مفضلة الحفاظ على سيطرتها على البلاد.
اتخذ الوضع منعطفاً دراماتيكياً في عام 1953 عندما قامت السلطات الفرنسية بنفي السلطان محمد الخامس إلى مدغشقر، في محاولة لاستبداله بحاكم أكثر طواعية. وقد أثار ذلك موجة من الاحتجاجات والثورات في جميع أنحاء المغرب، مما أدى إلى توحيد مختلف القوى الوطنية في نضال مشترك من أجل عودة السلطان واستقلال البلاد. شكلت عودة محمد الخامس المظفرة إلى المغرب عام 1955 بداية الانتقال إلى الاستقلال.
في 2 مارس 1956، حصل المغرب رسميًا على استقلاله من فرنسا، ثم حصلت إسبانيا بعد بضعة أشهر على استقلال المناطق التي كانت تسيطر عليها. شكل هذا التاريخ التاريخي نهاية الاحتلال الاستعماري وبداية عهد جديد للمغرب. ومع ذلك، لم يكن الاستقلال سوى بداية عملية معقدة لإعادة البناء الوطني.
بعد الاستقلال، واجه المغرب العديد من التحديات، بما في ذلك بناء دولة حديثة وتوحيد البلاد والتنمية الاقتصادية. لعب السلطان محمد الخامس، الذي أصبح ملكاً في عام 1957، دوراً رئيسياً في توطيد الوحدة الوطنية وإنشاء مؤسسات الدولة. تبنى المغرب نظاماً ملكياً دستورياً، مع وجود برلمان ودستور، مع الحفاظ على مركزية قوية للسلطة حول الملك.
كما كانت التنمية الاقتصادية أولوية بالنسبة للمغرب ما بعد الاستقلال. فقد تم إطلاق إصلاحات زراعية وصناعية وتعليمية لتحديث البلاد وتحسين الظروف المعيشية للمغاربة. كما سعى المغرب أيضاً إلى لعب دور نشط على الساحة الدولية، فانضم إلى الأمم المتحدة ودعم حركات إنهاء الاستعمار في أفريقيا.
كان استقلال المغرب في عام 1956 لحظة ميلاد وطني جديد، حيث كان إيذاناً بنهاية الاستعمار وبداية بناء الدولة الحديثة. كانت التحديات التي واجهت المغرب بعد الاستقلال كثيرة، لكنها ساعدت أيضًا على صياغة هوية وطنية قوية وموحدة.