بعد سقوط المرابطين، تمتع المغرب بعهد جديد من الازدهار في عهد أسرة الموحدين. مكّنت هذه السلالة، التي تأسست في القرن الثاني عشر، المغرب من ترسيخ مكانته كقوة إقليمية ودولية، حيث امتد نفوذها إلى ما وراء حدود المغرب العربي. ترك الموحدون بصماتهم على التاريخ المغربي من خلال سياسة المركزية والإصلاحات الدينية والإنجازات المعمارية الضخمة التي حققوها.

بدأت حركة الموحدين على يد ابن تومرت، وهو مصلح ديني من الأطلس الكبير. دعا إلى العودة إلى نقاء الإسلام، وانتقد تجاوزات المرابطين وحشد العديد من القبائل البربرية حوله. وبعد وفاته، نجح خليفته، عبد المؤمن، في توحيد القبائل البربرية تحت رايته وأطاح بالمرابطين، وأسس بذلك الخلافة الموحدية.

اتبع الموحدون سياسة التوسع السريع، حيث لم يكتفوا بغزو المغرب فحسب، بل فتحوا الأندلس وتونس وجزءاً من ليبيا الحالية. وقد امتدت إمبراطوريتهم من الصحراء الكبرى إلى نهر إيبرو، حيث غطت مساحة جغرافية شاسعة وشملت ثقافات وسكاناً متنوعين. مكّن هذا التوسع المغرب من لعب دور رئيسي في التبادل التجاري والثقافي بين أفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط.

تمتعالمغرب في عهدالموحدين بعصر ذهبي ثقافي وفكري حقيقي. فقد أصبحت العاصمة مراكش مركزاً لنفوذ الفنون والعلوم والفلسفة. شجع الموحدون على بناء المعالم الأثرية الرائعة مثل الكتبية في مراكش وجيرالدا في إشبيلية وبرج حسان في الرباط. وقد أصبحت هذه المباني التي تميزت بهندستها المعمارية الضخمة والراقية رموزاً للعظمة الموحدية.

أما من الناحية الدينية، فقد فرض الموحدون العقيدة الإسلامية الصارمة، وقضوا على الممارسات الدينية التي اعتبروها منحرفة. كما قاموا أيضًا بإضفاء الطابع المركزي على إدارة الإمبراطورية، وأسسوا نظامًا مركزيًا فعالاً للحكم. عززت سياسة المركزية هذه من سلطة الخلافة، لكنها ولّدت أيضاً توترات مع السكان المحليين، خاصة في الأندلس.

على الرغم من قوتهم، واجه الموحدون تحديات كبيرة، بما في ذلك صعود الممالك المسيحية في إسبانيا والثورات الداخلية. وقد كانت معركة لاس نافاس دي تولوسا عام 1212، التي مُني فيها الموحدون بهزيمة ساحقة على يد القوات المسيحية، بداية انحطاط الإمبراطورية. وبحلول منتصف القرن الثالث عشر، انهارت الخلافة الموحدية، مما أفسح المجال أمام التفتت السياسي للمغرب العربي والأندلس.

ومع ذلك، استمر تأثير الموحدين لفترة طويلة بعد سقوطهم. فقد ترك تراثهم المعماري والثقافي والديني أثراً عميقاً في المغرب والمغرب العربي بأسره. وعلاوة على ذلك، ألهم نموذجهم للسلطة المركزية السلالات التي خلفتهم.

كان الموحدون سلالة بارزة في التاريخ المغربي، تميزت بالتوسع الإقليمي والنفوذ الثقافي الاستثنائي ومركزية السلطة. ولا يزال تأثيرهم ملموساً حتى اليوم في المشهد السياسي والثقافي في المغرب.